طب دايلي

القولون العصبي: الأسباب والأنواع والتشخيص والعلاج

belly, stomach pain, pains-3865433.jpg

متلازمة القولون العصبي هي حالة شائعة تؤدي إلى ظهور أعراض مزعجة كالانتفاخ وألم البطن والإسهال أو الإمساك، وتؤثر على عدد كبير من الناس على مستوى العالم. تهدف هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على تعقيدات القولون العصبي وأعراضه وأسبابه واستراتيجيات التعامل معه.

مقدمة

القولون العصبي هو اضطراب شائع في الجهاز الهضمي، وغالبًا ما يسبب شعورًا بعدم الارتياح في البطن والانتفاخ والإسهال أو الإمساك. متلازمة القولون العصبي هي حالة مزمنة، مما يعني أن المريض يظل مصابًا بها لفترات طويلة، غالبًا لسنوات. ويصنف القولون العصبي على أنه اضطراب وظيفي في الجهاز الهضمي، مما يشير إلى أنه ينشأ من عدم انتظام الأنشطة الطبيعية للأمعاء، مثل كيفية تفاعل الأمعاء مع الدماغ.

طبيعة وأسباب القولون العصبي

في حين أن القولون العصبي معروف بتسببه في عدم ارتياح في الجهاز الهضمي، فمن الضروري فهم أنها حالة متعددة الأوجه. لا يزال السبب الدقيق للقولون العصبي غير واضح. ومع ذلك، يُعتقد أنه ناتج عن العديد من العوامل المتفاعلة، بما في ذلك فرط حساسية أعصاب الأمعاء، وتقلصات العضلات غير الطبيعية في الأمعاء، وربما انعدام التوازن في بكتيريا الأمعاء.

حساسية الجهاز العصبي المعوي

أحد العوامل الأساسية التي تساهم في متلازمة القولون العصبي هو زيادة الحساسية للمثيرات في الجهاز الهضمي. يُعتقد أن هذه الحساسية الزائدة هي آلية مرضية فيزيولوجية رئيسية في متلازمة القولون العصبي، وينتج عنها الشعور بألم مبالغ فيه بسبب التمدد المعوي الطبيعي. أظهرت الدراسات أن مرضى القولون العصبي غالبًا ما يكون لديهم عتبات أقل للألم وعدم الراحة، والتي يمكن أن تتفاقم بسبب التوتر والعوامل النفسية. وجدير بالذكر أن الجهاز العصبي المعوي (الذي يتحكم في حركة وإحساس الأمعاء) يتأثر بعوامل في الجهاز العصبي المركزي وأخرى في الأمعاء، مما يدل على أهمية دوره في أعراض القولون العصبي.

محور الأمعاء والدماغ

اكتسب دور “محور الأمعاء والدماغ” في القولون العصبي اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. يُعتقد أن هذا الاتصال ثنائي الاتجاه بين الأمعاء والدماغ يقوم بدور الوسيط ويعمل على نقل تأثيرات التوتر والإجهاد النفسي إلى الجهاز الهضمي ووظائفه. ومن الأدلة التي تؤكد ذلك ارتباط أحداث الحياة المجهدة والاضطرابات النفسية -مثل القلق والاكتئاب- بظهور أعراض القولون العصبي وتفاقمها. لذا، فالتفاعل بين العوامل النفسية وعلم وظائف الأعضاء الهضمية يؤكد نظرية النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي لمتلازمة القولون العصبي، والتي تفترض أن العوامل البيولوجية والنفسية الاجتماعية تساهم في ظهور هذا الاضطراب.

الالتهاب واختلال المناعة

كما يلعب الالتهاب واختلال المناعة دورًا في الفسيولوجيا المرضية لمتلازمة القولون العصبي. وعلى الرغم من تصنيف متلازمة القولون العصبي على أنها اضطراب وظيفي بدون التهاب واضح، تشير الأدلة إلى أن الالتهاب منخفض الدرجة قد يكون موجودًا لدى بعض المرضى. وقد اكتشف العلماء أن السيتوكينات، وهي جزيئات تشارك في الاستجابات المناعية، قد يكون لها دور في التسبب في متلازمة القولون العصبي. على سبيل المثال، وجدت الدراسات مستويات متغيرة من السيتوكينات المؤيدة للالتهابات، مثل عامل نخر الورم ألفا (TNF-α) والإنترلوكين 10 (IL-10)، لدى مرضى القولون العصبي، مما يشير إلى مكون التهابي محتمل. قد يساهم هذا الالتهاب دون السريري في فرط الحساسية الملحوظ لدى مرضى القولون العصبي.

ميكروبات الأمعاء

تعد ميكروبات الأمعاء عاملًا آخر يؤثر على الفسيولوجيا المرضية لمتلازمة القولون العصبي. وقد تم الربط بين خلل التوازن في ميكروبات الأمعاء وبين أعراض القولون العصبي. وقد أظهرت الأبحاث أن مرضى القولون العصبي غالبًا ما يكون لديهم محتوى ميكروبي مختلف في أمعائهم مقارنة بالأفراد الأصحاء. وقد يؤدي هذا الخلل إلى زيادة تخمر الكربوهيدرات، مما يؤدي إلى إنتاج الغازات والانتفاخ، وهي أعراض شائعة لمتلازمة القولون العصبي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لميكروبات الأمعاء أن تؤثر على محور الأمعاء والدماغ، مما يزيد من تعقيد العلاقة بين صحة ميكروبات الأمعاء وأعراض القولون العصبي.

العوامل الغذائية

العوامل الغذائية مهمة أيضًا في مسببات القولون العصبي. يمكن لبعض الأطعمة، وخاصة تلك التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات قليلة التعدد والأحادية والثنائية والبوليولات القابلة للتخمر (FODMAPs)، أن تؤدي إلى ظهور الأعراض لدى الأفراد المعرضين للإصابة. لذا، ظهر النظام الغذائي “منخفض الفودماب” كنظام غذائي فعال لتقليل أعراض القولون العصبي، حيث ثبت أنه يقلل من الانتفاخ وآلام البطن لدى العديد من المرضى. وعلاوة على ذلك، فإن العوامل الوراثية المرتبطة باستقلاب الكربوهيدرات، مثل الطفرات في جين السكراز-إيزومالتاز، قد تجعلك أكثر عرضة للإصابة بالقولون العصبي من خلال التأثير على قدرتك على هضم بعض الكربوهيدرات.

الانتشار وعوامل الخطر

القولون العصبي هو حالة شائعة بشكل ملحوظ، حيث تؤثر على ما يقرب من 10٪ إلى 15٪ من البالغين في الولايات المتحدة ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن متلازمة القولون العصبي تميل إلى التأثير على النساء أكثر من الرجال. عادة ما تكون بداية أعراض القولون العصبي قبل سن الأربعين، وغالبًا حتى أثناء الطفولة أو الشباب.

قد يكون هناك عامل وراثي في المرض، حيث أفاد العديد من المصابين بالقولون العصبي بأن أحد أفراد العائلة لديه أعراض مماثلة.

تشمل العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة بمرض القولون العصبي التوتر العاطفي وضغوط الحياة والقلق والحساسية من بعض أنواع الطعام والتهابات الأمعاء الشديدة. في بعض الحالات، قد تظهر أعراض القولون العصبي بعد عدوى معوية شديدة أو إسهال شديد ناتج عن عدوى بكتيرية أو فيروسية، وهي حالة يشار إليها باسم “القولون العصبي بعد العدوى”.

أنواع متلازمة القولون العصبي

يمكن أن يظهر القولون العصبي بأشكال مختلفة عند كل مريض. بناءً على نوع اضطراب حركة الأمعاء، يتم تصنيف القولون العصبي إلى أربعة أنواع فرعية:

  1. القولون العصبي المصاحب للإمساك (IBS-C)
  2. القولون العصبي المصاحب للإسهال  (IBS-D)
  3. القولون العصبي المختلط (IBS-M)
  4. نوع فرعي غير محدد (IBS-U): تختلف الأعراض وقوام البراز.

أعراض القولون العصبي

يتمثل العرض الأساسي لمرض القولون العصبي في الشعور بعدم ارتياح في البطن أو ألم مرتبط بأنماط التبرز المتغيرة. يمكن أن يظهر ذلك على شكل ألم حاد، أو تقلصات، أو انتفاخ، أو حتى إحساس بالحرقان. تشمل الأعراض الشائعة الأخرى وجود مخاط في البراز، والشعور برغبة ملحة للتبرز، والشعور بعدم اكتمال الإخلاء.

بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني بعض مرضى القولون العصبي أيضًا من أعراض غير معوية مثل الصداع النصفي واضطرابات النوم والقلق والاكتئاب والألم العضلي التليفي وآلام الحوض المزمنة.

التشخيص

الخطوة الأولى نحو تشخيص القولون العصبي هي التاريخ الطبي الشامل والفحص البدني. تساعد هذه الخطوة الأطباء في تحديد العلامات غير المعتادة التي تشير إلى الحاجة إلى تحقيق أكثر شمولاً. تشمل هذه العلامات ظهور الأعراض بعد سن الخمسين، وفقدان الوزن غير المبرر، وفقر الدم، ووجود دليل على حدوث نزيف في الجهاز الهضمي، والألم الشديد أو وجود أعراض على عدم القدرة على النوم بصورة طبيعية.

إذا وجد طبيبك أيًا من هذه العلامات التحذيرية، فقد يحتاج إلى إجراء مزيد من الاختبارات، مثل اختبارات الدم وعينات البراز والأشعة السينية، لاستبعاد الأمراض الأخرى التي قد تحاكي أعراض القولون العصبي مثل سرطان القولون.

اقرأ أيضًا: الفرق بين سرطان القولون ومتلازمة القولون العصبي

دور تنظير القولون في التشخيص

في بعض الحالات، قد يوصي طبيبك بإجراء تنظير سيني مرن أو تنظير القولون لفحص القولون بصورة أكثر دقة. تساعد تلك الفحوصات في تقييم اضطرابات الأمعاء أو نزيف المستقيم أو الأورام الحميدة، ويمكن حتى استخدامها لأخذ عينة (خزعة) من الأنسجة إذا لزم الأمر.

علاج القولون العصبي

غالبًا ما يتم تحديد خطة علاج القولون العصبي وفقًا لأعراض واحتياجات كل مريض. قد يوصيك مقدم الرعاية الصحية بإجراء بعض التغييرات في نمط حياتك وتعديلات في النظام الغذائي وقد يصف بعض الأدوية للتحكم في الأعراض (مثل كولوسبازمين فورت، أو كولوسباتوراز). قد تتحسن أعراض بعض المرضى مع علاجات الصحة النفسية، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو العلاج بالتنويم المغناطيسي أو الارتجاع البيولوجي.

علاج متلازمة القولون العصبي متعدد الأوجه، مما يعكس تعقيد المرض نفسه. ويعتمد اختيار العلاج غالبًا على الأعراض السائدة (الإسهال أو الإمساك أو مزيج من الاثنين) واستجابة المريض للعلاجات المختلفة.

النظام الغذائي

يعد اتباع نظام غذائي “منخفض الفودماب” أحد أكثر التدخلات الغذائية فعالية للتخفيف من أعراض متلازمة القولون العصبي. يحد هذا النظام الغذائي من السكريات قليلة التعدد والسكريات الثنائية والأحادية والبوليولات القابلة للتخمر، وهي كربوهيدرات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأعراض مثل الانتفاخ وآلام البطن. وقد أظهرت العديد من الدراسات فعالية النظام الغذائي منخفض الفودماب في تقليل الأعراض لدى مرضى القولون العصبي، ولاحظ الكثير من متبعي هذا النظام الغذائي تحسن كبيرة في الأعراض مثل آلام البطن وجودة الحياة بشكل عام. يتم تنفيذ هذا النظام الغذائي عادةً على مراحل، بدءًا بالتخلص الصارم من الأطعمة عالية الفودماب، ثم إعادة إدخالها تدريجيًا إلى النظام الغذائي لتحديد الأطعمة التي تحفز ظهور الأعراض.

العلاجات الدوائية

تختلف العلاجات الدوائية لمتلازمة القولون العصبي بناءً على الأعراض السائدة. بالنسبة للمرضى الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي المصاحب للإسهال (IBS-D)، فقد أظهرت أدوية مثل لوبيراميد وألوزيترون فعالية في تقليل الإسهال وتحسين جودة الحياة. ويعد ألوزيترون -وهو مضاد انتقائي لمستقبلات السيروتونين- فعالاً بشكل خاص للنساء المصابات بمتلازمة القولون العصبي المرتبطة بالإسهال، وينتج عنه تحسن كبير في الأعراض. وعلى الجانب الآخر، بالنسبة لأولئك الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي المرتبطة بالإمساك (IBS-C)، فهناك ملينات ومكملات الألياف وأدوية مثل ليناكلوتيد ولوبيبروستون، والتي تساعد في تحسين حركات الأمعاء وتخفيف الإمساك.

العلاجات النفسية

بالإضافة إلى الأساليب الغذائية والدوائية، تلعب العلاجات النفسية دورًا مهمًا في إدارة متلازمة القولون العصبي. فقط ثبت أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وأشكال أخرى من الدعم النفسي تعمل على تقليل الأعراض وتحسين جودة الحياة من خلال معالجة العوامل النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم متلازمة القولون العصبي. كما أن تقنيات التحكم في التوتر (مثل التأمل أو الاسترخاء أو اليوغا) مفيدة أيضًا، حيث أن التوتر النفسي هو محفز معروف لأعراض متلازمة القولون العصبي.

زرع ميكروبات البراز

تعد عملية زرع ميكروبات البراز خيار علاجي ناشئ اكتسب اهتمامًا بسبب قدرته على استعادة توازن ميكروبات الأمعاء لدى مرضى القولون العصبي. تشير الدراسات الأولية إلى أن عملية زرع ميكروبات البراز قد تحسن الأعراض لدى بعض الأفراد، وخاصة أولئك الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي مع الإسهال، عن طريق تغيير ميكروبيوم الأمعاء. ومع ذلك، هناك حاجة إلى تجارب سريرية أكثر لتحديد فعالية وسلامة عملية زرع ميكروبات البراز لعلاج القولون العصبي.

البروبيوتيك

البروبيوتيك هو مجال آخر مثير للاهتمام وواعد في علاج القولون العصبي. قد تساعد هذه الكائنات الحية الدقيقة في استعادة توازن ميكروبات الأمعاء وتحسين وظيفة الجهاز الهضمي. أفادت بعض الدراسات بنتائج إيجابية بعد استخدام سلالات بروبيوتيك محددة في تقليل أعراض القولون العصبي، وعلى الرغم من ذلك فالنتائج تختلف اعتمادًا على السلالة والجرعة المستخدمة.

الوخز بالإبر والعلاجات التكميلية

كما تم استكشاف الوخز بالإبر والعلاجات التكميلية الأخرى، مثل الكي، كخيارات علاجية لمتلازمة القولون العصبي. تشير الأدلة إلى أن الوخز بالإبر قد يساعد في تخفيف الأعراض، وخاصة عند المرضى الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي مع الإسهال، من خلال تعديل حركة الأمعاء وتقليل إدراك الألم. ومع ذلك، فإن فعالية هذه العلاجات تختلف كثيرًا من شخص لآخر، وهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتوضيح دورها في علاج القولون العصبي.

بشكل عام، يتطلب علاج متلازمة القولون العصبي نهجًا شخصيًا يأخذ في الاعتبار أعراض المريض وتفضيلاته واستجاباته للعلاجات السابقة. غالبًا ما يكون النهج متعدد التخصصات الذي يشمل خبراء التغذية وأطباء الجهاز الهضمي والمتخصصين في الصحة النفسية مفيدًا في توفير رعاية شاملة لمرضى القولون العصبي. بالإضافة إلى ذلك، فالبحث المستمر في الآليات الأساسية لمتلازمة القولون العصبي وتطوير خيارات علاجية جديدة يعد أمرًا بالغ الأهمية في تحسين استراتيجيات علاج هذا الاضطراب المعقد.

متي تستشير الطبيب؟

إذا كنت تعاني من أعراض القولون العصبي أكثر من ثلاث مرات في الشهر لأكثر من ثلاثة أشهر، أو إذا كانت أعراضك تؤثر بشكل كبير على حياتك الاجتماعية والعملية، فمن الأفضل استشارة مقدم الرعاية الصحية. اطلب عناية طبية فورية إذا كنت تعاني من أعراض شديدة مثل النزيف أو الحمى أو فقدان الوزن أو الألم الشديد.

التعايش مع القولون العصبي

يمكن أن يكون التعايش مع متلازمة القولون العصبي أمرًا صعبًا، لكن ليس من الضروري أن يأخذ أكبر من حجمه في حياتك. من خلال تحديد المحفزات وتجنبها وإجراء تعديلات على النظام الغذائي واعتماد تقنيات علاج التوتر، يمكنك التحكم في الأعراض بفعالية.

الخلاصة

القولون العصبي هو حالة شائعة، ولا يزيد من خطر الإصابة بمرض التهاب الأمعاء أو سرطان القولون، كما أنه لا يؤثر على العمر المتوقع للمريض. في حين أنه لا يوجد علاج شافٍ حاليًا لمتلازمة القولون العصبي، يمكن التحكم في الأعراض بشكل فعال باستخدام خطة العلاج الصحيحة، مما يؤدي إلى تحسن كبير في جودة الحياة.

المصادر

د/ محمد البلتاجي