طب دايلي

الكولشيسين والنوبات القلبية: دراسة جديدة تثير تساؤلات

ما هو الكولشيسين؟

الكولشيسين هو دواء يستخدم منذ القدم لعلاج بعض الحالات الطبية، مثل النقرس. في السنوات الأخيرة، بدأ الأطباء في استكشاف إمكانية استخدامه في علاج أمراض القلب، خاصة بعد النوبة القلبية، وذلك لأن بعض الدراسات أشارت إلى أنه قد يساعد في تقليل الالتهاب في الجسم، والذي يعتقد أنه يلعب دورًا هامًا في تطور أمراض القلب.

Colchicine pills arranged on a blue background, showcasing their distinct shape and color.
دواء كولشيسين

الدراسات السابقة: نتائج واعدة

أشارت بعض الدراسات منذ سنوات قليلة إلى أن الكولشيسين قد يوفر فوائد كبيرة لمرضى القلب. على سبيل المثال:

  • دراسة COLCOT: في هذه الدراسة التي نشرت عام 2019، أعطى الباحثون المجموعة الأولى دواء الكولشيسين والمجموعة الأخرى دواءً وهمياً (يعني أنه لا يحتوي على أي مادة فعالة). بعد فترة، وجدوا أن الأشخاص الذين تناولوا الكولشيسين كانوا أقل عرضة للإصابة بمشاكل قلبية خطيرة بنسبة 23% مقارنة بالذين تناولوا الدواء الوهمي.
  • دراسة LODOCO2: نشرت هذه الدراسة في العام التالي (2020) وشملت أكثر من 5500 مريض يعانون من مرض الشريان التاجي المزمن. وكانت نتائج هذه الدراسة مشابهة للدراسة الأولى، حيث وجدوا أن الكولشيسين قلل من خطر حدوث مشاكل قلبية بنسبة 31%.

آلية العمل الكامنة وراء الفائدة

أحد الآليات المقترحة التي قد يقلل بها الكولشيسين من خطر أمراض القلب هو تأثيره المضاد للالتهاب. وهذا مدعوم بحقيقة أن مستويات بروتين سي التفاعلي، وهو مؤشر للالتهاب، كانت أقل بكثير لدى المرضى الذين تناولوا الكولشيسين مقارنة بأولئك الذين أخذوا الدواء الوهمي.

الدراسات الحديثة تظهر صورة أكثر تعقيدًا

ومع ذلك، فإن دراستين أحدث وهما CONVINCE و CHANCE-3، لم يظهرا فائدة كبيرة للكولشيسين في الوقاية من السكتة الدماغية.

دراسة جديدة تشكك في فاعلية الكولشيسين

أجريت دراسة واسعة النطاق باسم CLEAR SYNERGY (OASIS 9)، وشملت أكثر من 7000 مريض لتقييم فعالية الكولشيسين في حماية الأشخاص الذين تعرضوا لنوبة قلبية من الإصابة بمضاعفات قلبية أخرى، وتمت مقارنة تأثير الدواء على هؤلاء المرضى بتأثير دواء وهمي (يعني أنه لا يحتوي على المادة الفعالة). ووُصفت الدراسة بأنها الأكبر من نوعها. وقد أظهرت الدراسة أن دواء الكولشيسين لا يوفر حماية كافية ضد المضاعفات القلبية الوعائية الكبرى بعد النوبة القلبية الحادة.

لم يظهر أي تحسن يذكر في نتائج المرضى الذين تناولوا الكولشيسين مقارنةً بالذين تناولوا دواءً وهميًا (دواء بلا مفعول دوائي) على مدار خمس سنوات. وهذا يشير إلى أن دور هذا الدواء في علاج النوبة القلبية قد يكون محدودًا أو غير مؤكد، كما أشار الدكتور سانجيت جولي، وهو أخصائي أمراض القلب التدخلي، في مؤتمر تقنيات القلب الوعائي التدخلي (TCT) لسنة 2024.

لم تظهر أي فروق كبيرة بين المجموعتين في النتائج الرئيسية للدراسة، والتي تشمل الوفاة لأسباب قلبية وعائية، والنوبة القلبية، والسكتة الدماغية. بل في بعض الحالات، كانت النتائج أسوأ قليلاً في مجموعة الكولشيسين، مثل زيادة طفيفة في معدلات الوفاة القلبية والسكتة الدماغية.

وبالتالي، فإن هذه الدراسة الكبيرة تشكك في الفوائد السابقة التي أُعلن عنها للكولشيسين في علاج أمراض القلب.

اقرأ أيضًا: دراسة حديثة تجد أن مكملات زيت السمك قد تزيد من خطر أمراض القلب والسكتة الدماغية عند الأصحاء

ماذا تعني هذه النتائج؟

هذه النتائج تشير إلى أن الكولشيسين قد لا يكون فعّالًا في الوقاية من المضاعفات الكبرى بعد النوبة القلبية (مثل الوفاة والسكتة الدماغية وتكرر النوبات القلبية) كما كان يعتقد سابقًا. وبالتالي، فإن دور هذا الدواء في علاج أمراض القلب أصبح موضع تساؤل.

لماذا تختلف هذه النتائج عن الدراسات السابقة؟

هناك عدة أسباب محتملة لاختلاف نتائج هذه الدراسة عن الدراسات السابقة التي أشارت إلى فاعلية الكولشيسين:

  • حجم العينة: هذه الدراسة كانت أكبر بكثير من الدراسات السابقة، مما يزيد من قوة النتائج ويقلل من احتمال حدوث أخطاء إحصائية.
  • مدة المتابعة: استمرت الدراسة لمدة خمس سنوات، وهي فترة زمنية طويلة نسبيًا، مما سمح للباحثين برؤية الصورة الكاملة لآثار الدواء على المدى الطويل.
  • اختلاف في المجموعات المدروسة: قد يكون هناك اختلاف في خصائص المرضى المشاركين في الدراسات المختلفة، مما قد يؤثر على النتائج.

ما هي الآثار المترتبة على هذه النتائج؟

هذه النتائج قد تؤدي إلى تغييرات في الإرشادات الطبية المتعلقة باستخدام الكولشيسين في علاج أمراض القلب. قد يقرر الأطباء تقليل استخدام هذا الدواء أو التوقف عن استخدامه تمامًا في بعض الحالات.

نظراً لعدم وجود فائدة واضحة للكولشيسين في هذه الدراسة الكبيرة، يشير الدكتور جولي إلى أن نتائج دراسة OASIS 9 قد تؤدي إلى تغيير الإرشادات الطبية الحالية. فقد أوصت كل من الكلية الأمريكية لأمراض القلب وجمعية القلب الأمريكية والجمعية الأوروبية لأمراض القلب باستخدام الكولشيسين في بعض الحالات بعد النوبة القلبية.

ويقول الدكتور أجاي كيرتان، مدير برنامج رعاية القلب والأوعية الدموية التداخلية في جامعة كولومبيا، إن هذه النتائج “تعد صفعة قوية” له ولزملائه الأطباء. حيث كان يستخدم الكولشيسين بشكل روتيني مع مرضاه، ولكن الآن سيضطر إلى إعادة النظر في هذا النهج.

ويضيف جولي أن الآثار الجانبية الوحيدة التي لوحظت في الدراسة هي زيادة طفيفة في خطر الإصابة بالإسهال. وبالتالي، فإن الكولشيسين قد لا يكون مناسبًا لجميع المرضى، خاصة أولئك المعرضين للإصابة بالإسهال.

على الرغم من نتائج هذه الدراسة، يعتقد الباحثون أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات لتحديد الدور الدقيق للكولشيسين في علاج أمراض القلب. ويبقى التركيز على العلاجات المضادة للالتهاب، مثل تلك التي تستهدف بروتين الإنترلوكين 6، مجالاً واعدًا للبحث المستقبلي.

ماذا عن المرضى الذين يتناولون الكولشيسين حاليًا؟

إذا كنت تتناول الكولشيسين حاليًا، يجب عليك التحدث مع طبيبك لمناقشة هذه النتائج الجديدة وتقييم ما إذا كان من الضروري تغيير خطة العلاج الخاصة بك.

أهمية هذه الدراسة

هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية إجراء الأبحاث العلمية لتقييم فعالية الأدوية المختلفة. كما أنها تذكرنا بأن المعرفة الطبية تتطور باستمرار، وأن ما نعتقده صحيحًا اليوم قد يتغير غدًا.

الخلاصة

تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن الكولشيسين قد لا يكون العلاج الأمثل لجميع مرضى القلب. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن هذا الدواء ليس له أي فوائد. فهناك بعض الحالات التي يكون فيها الكولشيسين مفيدًا، ولكن يجب على الأطباء والمرضى اتخاذ قرارات العلاج بناءً على أحدث الأدلة العلمية.

ملاحظة هامة: هذه المعلومات هي لأغراض إعلامية فقط، ولا يجب استخدامها كبديل عن استشارة الطبيب. إذا كان لديك أي أسئلة حول صحتك أو علاجك، يجب عليك استشارة طبيبك.

المصادر

د/ محمد البلتاجي