طب دايلي

هل تقلل أدوية التخسيس من خطر الإصابة بالسرطان؟

أصبح لأدوية مرض السكري من النوع الثاني والتخسيس مثل أوزيمبيك (Ozempic) قائمة فوائد متنامية. فهذه الأدوية – المعروفة باسم ناهضات (أو محفزات) هرمون الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1) – يمكن أن تتحكم في نسبة السكر في الدم، وتحفز فقدان الوزن بشكل كبير، وبالنسبة للمرضى المعرضين لخطر كبير، تساعد في منع النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدامها لعلاج مرض السكري من النوع 2 وللتخسيس وفي بعض حالات مشاكل القلب والأوعية الدموية.

مؤخرًا أظهرت مجموعة متزايدة من الأبحاث أن هذه الأدوية الشائعة قد يكون لها فوائد إضافية.

يمكن لناهضات GLP-1 إبطاء تطور أمراض الكلى وتخفيف توقف التنفس أثناء النوم، كما أن التجارب الأولية تستكشف مدى قدرة هذه الأدوية على أن تعالج مرض باركنسون وتمنع حدوث مرض الزهايمر. ويقول الدكتور ديفيد كايلبر الأستاذ في جامعة كيس ويسترن ريزيرف، كليفلاند: “إنها بدأ ينظر إليها على أنها أدوية خارقة”.

الآن يتساءل بعض الخبراء: هل يمكن لناهضات GLP-1 أن تساعد في درء السرطان، وخاصة السرطانات المرتبطة بالسمنة؟

يقول الدكتور لوران أزولاى الأستاذ بقسم الأورام بجامعة ماكجيل، كندا: “من الواضح أن هناك الكثير من الحماس حول هذه الأدوية. إنها فعالة للغاية في السيطرة على مرض السكري من النوع 2 وتقليل وزن الجسم، لذلك يهتم الناس برؤية ما إذا كان ذلك يمكن أن ينتج عنه انخفاض في خطر الإصابة بالسرطان”.

لكن حتى الآن، لم تدرس سوى حفنة من الدراسات الوصفية هذا السؤال.

إحدى أكبر الدراسات حتى الآن، نُشرت في يوليو في مجلة JAMA Network Open، على يد كايلبر وزملائه. وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يأخذون هذا النوع من الأدوية لمرض السكري من النوع 2 ينخفض خطر إصابتهم بـ 10 أنواع من السرطانات المرتبطة بالسمنة مقارنة بأولئك الذين يأخذون الأنسولين. وفي بعض هذه السرطانات، انخفض خطر الإصابة بها بما يصل إلى 50٪ أو أكثر.

لكن أزولاى وخبراء آخرون حذروا من أنه على الرغم من أن هذه الدراسة وبعض النتائج الحديثة الأخرى مثيرة للاهتمام، إلا أن هناك العديد من القيود على البيانات تجعل من المستحيل استخلاص استنتاجات قاطعة حتى الآن.

وتلك القيود الرئيسية هي أن النتائج تستند إلى سجلات الصحة الإلكترونية ولا تقول شيئًا عن السبب والنتيجة. فعلى الرغم من ارتباط السمنة بزيادة خطر الإصابة بـ 13 نوعًا من السرطان، إلا أن هناك بيانات محدودة حول مدى تأثير التخسيس أو قدرته على تقليل هذا الخطر.

ومع ذلك، فإن سؤال “هل يمكن أن تؤثر هذه الأدوية على خطر الإصابة بالسرطان” هو سؤال جدير بالاهتمام، كما يقول الدكتور أزولاى، “لأن المزيد والمزيد من الناس سيستخدمون هذه الأدوية”.

هل هي أدوية خارقة؟

على الرغم من أن هذه الأدوية لم تغزو العالم إلا مؤخرًا، إلا أن أول دواء من هذا النوع – الإكسيناتيد – تمت الموافقة عليه منذ ما يقرب من 20 عامًا لعلاج مرض السكري من النوع 2.

اليوم، تشمل القائمة سيماجلوتيد، المعروف تجاريًا باسم “أوزيمبيك” لمرض السكري من النوع 2 و”ويجوفي” للتخسيس، وليراجلوتيد (فيكتوزا لمرض السكري من النوع 2 وساكسندا للتخسيس)، ودولاجلوتيد (ترلسيتي لمرض السكري من النوع 2). وهناك أيضًا تيرزيبتيد، المعروف تجاريًا باسم مونجارو لمرض السكري من النوع 2 وزيبووند لفقدان الوزن، والذي يعمل بطريقة إضافية بجانب كونه ناهضًا لهرمون الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1، مما قد يعزز فعاليته.

دواء ويجوفي
دواء ويجوفي

تعمل ناهضات مستقبلات GLP-1 عن طريق تقليد GLP-1، وهو هرمون معوي يلعب دورًا رئيسيًا في التحكم في نسبة السكر في الدم وفي الشهية أيضًا. يحفز الهرمون البنكرياس على إطلاق الأنسولين وتثبيط إفراز الجلوكاجون – وهو هرمون يرفع نسبة الجلوكوز في الدم، ويبطئ الهضم. تؤخذ معظم أدوية GLP-1s عن طريق الحقن مرة واحدة في الأسبوع، إلا ليراجلوتيد يؤخذ يوميًا.

نظرًا للقائمة المتزايدة من الفوائد لهذه الأدوية الشائعة، يستكشف بعض الباحثين الدور المحتمل الذي قد تلعبه ناهضات GLP-1 في تقليل خطر الإصابة بالسرطان، خاصةً خطر الإصابة بالسرطانات المرتبطة بالسمنة.

ربطت تجارب كايلبر وزملائه استخدام GLP-1 بانخفاض ملحوظ في مخاطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم والكبد، وأظهرت تجارب أخرى انخفاض خطر الإصابة بسرطان البروستاتا والبنكرياس.

ركزت معظم الدراسات على الارتباطات مع أنواع معينة من السرطانات. على سبيل المثال، في دراسة كبيرة عام 2024 على يد فريق الدكتور كايلبر، كان لدى مرضى السكري من النوع 2 الذين تلقوا ناهضات GLP-1 خطر أقل للإصابة بسرطان الكبد مقارنة بأولئك الذين تلقوا أنواعًا أخرى من الأدوية لعلاج السكري، وخاصة الأنسولين.

وسعت دراسة JAMA الأحدث هذا التحقيق، واستكشفت الصلة بين تلك الأدوية ومخاطر الإصابة بـ 13 نوعًا من السرطانات المرتبطة بالسمنة. في التحليل، فحص كايلبر وزملاؤه سجلات الصحة الإلكترونية لـ 1.6 مليون مريض مصاب بمرض السكري من النوع 2 ويأخذون دواء ناهض GLP-1 أو الأنسولين أو الميتفورمين. على مدار 15 عامًا، كانت مجموعة GLP-1 أقل عرضة للإصابة بـ 10 من أصل 13 نوعًا من السرطانات المرتبط بالسمنة – بما في ذلك سرطان المرارة (معدل الخطر [HR]، 0.35)، وسرطان البنكرياس (HR، 0.41)، وسرطان الكبد (HR، 0.47) )، سرطان المبيض (HR، 0.52)، سرطان القولون والمستقيم (HR، 0.54)، سرطان بطانة الرحم (HR، 0.74)، وسرطان الكلى (HR، 0.76) – مقارنة بمجموعة الأنسولين.

ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال عندما واجهت أدوية ناهضات GLP-1 الميتفورمين. بالمقارنة مع الميتفورمين، لم يرتبط استخدام هذه الأدوية بانخفاض خطر الإصابة بأي نوع من السرطان؛ في الواقع، وُجد ارتباط بين استخدام أدوية التخسيس وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى بنسبة 54٪.

أسباب هذا الارتباط غير واضحة. ومن الجدير بالذكر أن الباحثين يسيطرون في الدراسة على المتغيرات التي يستطيعون التحكم فيها، مثل التركيبة السكانية للمرضى والظروف الطبية المصاحبة، لكن البيانات التي حللوها اقتصرت على المعلومات المتاحة في سجلات الصحة الإلكترونية.

بعض مشاكل هذه الدراسات

علق الدكتور أزولاى قائلاً إن المشكلة في هذا النوع من الدراسات هي أن الأشخاص الذين يوصف لهم أدوية ناهضات GLP-1 يختلفون اختلافًا كبيرًا عن أولئك الذين يوصف لهم الأنسولين، ومن المستحيل التحكم في جميع هذه الاختلافات.

وأشار إلى أن “الأنسولين هو في الأساس علاج أخير لمرض السكري من النوع 2. لذلك أنت تقارن مرضى في مراحل مختلفة من مرضهم”.

كما ذكرت الدكتورة كومار، طبيبة الغدد الصماء وأخصائية طب السمنة، في مستشفى New York-Presbyterian بمدينة نيويورك، إن الأنسولين يوصف أحيانًا في بداية المرض، ولكن غالبًا ما يحدث ذلك في الحالات التي يفتقر فيها المريض إلى التغطية التأمينية للخيارات الأكثر تكلفة.

وأضافت كومار: “من وجهة نظري، يميل الأشخاص الذين يتناولون ناهضات GLP-1 إلى أن يكونوا على إطلاع جيد بالنظام الطبي. قد يكون لديهم تغطية تأمينية أفضل. وقد يكونون من ذوي الوضع الاجتماعي الاقتصادي الأعلى. هناك الكثير من العوامل المربكة المحتملة هنا”.

وأشار الدكتور أزولاى إلى أنه في دراسة JAMA، كانت الاختلافات في الإصابة بالسرطان بين مستخدمي ناهضات GLP-1 ومستخدمي الأنسولين واضحة من اليوم الأول. وقال أزولاى: “بالنسبة لمرض مثل السرطان، فمن غير المعقول بيولوجيًا أن يكون هذا الاختلاف بسبب الدواء. حقيقة أن هذا الاختلاف ظهر من اليوم الأول عادة ما يشير إلى وجود تحيز في الدراسة”.

وقال إن ذلك يذكره بقصة الميتفورمين: قبل 20 عامًا، ربطت الدراسات استخدام الميتفورمين بانخفاض مخاطر الإصابة بالسرطان بين الأشخاص المصابين بمرض السكري من النوع 2. لكن أزولاى قال إن هذه الدراسات شابتها “تحيزات مرتبطة بالوقت” – فالميتفورمين هو “دواء خط أول” يوصف في بداية المرض على عكس الأنسولين – والدليل على ذلك أن التجارب السريرية اللاحقة لم تنجح.

حتى مع هذه التحذيرات، قال أزولاى أنه لا يزال يرى أن هناك مبرر لدراسة العلاقة بين هذه الأدوية ومخاطر الإصابة بالسرطان، فناهضات GLP-1 ليست ميتفورمين – وأحد الاختلافات الكبيرة بينهما هو التخسيس الواضح الذي يمكن أن تحققه ناهضات GLP-1.

فهم النتائج

من الناحية النظرية، يمكن لأي دواء يسبب تخسيس مستدام أن يقلل من خطر الإصابة بالسرطانات المرتبط بالسمنة، وفقًا للدكتورة سونالي ثوساني الأستاذة بقسم أورام الغدد الصماء واضطرابات الهرمونات، بمركز إم دي أندرسون للسرطان بجامعة تكساس. وترى ثوساني إن أحد الأسئلة التي من المنتظر أن تجيب عنها الدراسات المستقبلية هو ما إذا كان فقدان الوزن بعد بدء استخدام GLP-1 مرتبطًا بانخفاض مخاطر الإصابة بالسرطان.

ووافقتها في ذلك الدكتورة كومار لكنها قالت أيضًا أنه قد تكون هناك آليات إضافية. ففي دراسة “SELECT”، التي أدت إلى منح Wegovy الموافقة الرسمية لاستخدامه في منع النوبات القلبية والسكتات الدماغية والوفاة لدى مرضى السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، يبدو أن التخسيس كان فقط جزءًا من القصة، لأن انخفاض المخاطر ظهر في وقت مبكر، كما لاحظت كومار.

أحد النظريات هو أن الآثار المضادة للالتهاب لناهضات GLP-1 كانت مسؤولة جزئيًا عن هذه النتائج. ففي الدراسة، أظهر المرضى الذين أخذوا سيماجلويتيد انخفاضًا في بروتين سي التفاعلي – والذي يعبر عن الالتهاب في الجسم – وكان هذا الانخفاض مشابهًا لما لوحظ مع العلاج بالستاتين (Statin). يمكن أن يؤثر انخفاض الالتهاب في الجسم على خطر الإصابة بالسرطان.

وحللت دراسات أخرى بعض خصائص هذه الأدوية والتي قد تساعد في مكافحة السرطان، واكتشفت الدراسات أنها تثبط تكاثر خلايا سرطان البروستاتا وقد تستعيد وظيفة الخلايا القاتلة الطبيعية التي تميل إلى أن تكون مختلة بسبب السمنة. لكن ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الدراسات في هذا المجال

هل يمكن للأطباء وصف هذه الأدوية للوقاية من السرطان؟

يشك أزولاى في إمكانية إجراء تجارب سريرية لاختبار ناهذات GLP-1 للوقاية من السرطان بين مرضى السكري من النوع 2 أو السمنة لأن السرطان مرض نادر نسبيًا يحدث على مدى فترة طويلة.

لكن أزولاى يعتقد أنه من الممكن تصميم دراسات وصفية من شأنها أن تركز على إظهار أي فائدة محتملة لهذه الأدوية. ومع ذلك، يجب أن تضع هذه الدراسات في اعتبارها السرطانات التي تم تشخيصها في بدايات فترة المتابعة، وأنها من المحتمل أن تكون غير مرتبطة بالدواء. ستحتاج الدراسات أيضًا إلى استخدام دواء مقارن جيد. ومن الأمثلة المناسبة نوع من أنواع أدوية السكري من النوع 2 وهو مثبطات الديبيبتيديل ببتيداز 4، لأنها تُوصف عادةً كأدوية “خط ثاني” (أي إنها تستخدم بعد تجربة نوع دواء آخر أولًا) وهي لا تسبب زيادة أو انخفاض كبير في الوزن.

من المهم أيضًا أن نتذكر أن أدوية GLP-1 ليست خالية من المخاطر. تشمل الآثار الجانبية الشائعة الغثيان والقيء والإسهال والإمساك، وتحمل الأدوية تحذيرات بشأن آثار جانبية أكثر خطورة مثل التهاب البنكرياس وحصوات المرارة والفشل الكلوي الحاد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض المخاوف بشأن احتمالية زيادة هذه الأدوية لخطر الإصابة ببعض الأورام خصوصًا أورام الغدة الدرقية، والذي لوحظ في الأبحاث على الحيوانات، وكذلك سرطان الكلى. ومع ذلك، ما زلنا بحاجة إلى دراسات طويلة الأجل لتأكيد هذه المزاعم.

هل تتغير الممارسات الطبية بسبب هذه الدراسات الحديثة؟

بصفته طبيبًا، قال كايلبر إنه لن يبدأ في وصف أدوية GLP-1 على أمل تقليل خطر إصابة مرضى السكري بالسرطان. قال كايلبر: “إذا كنت مريضًا مصابًا بمرض السكري من النوع 2 والسمنة، فالسبب الرئيسي لتناول أحد هذه الأدوية [GLP-1s] هو أنها تقوم بعمل جيد في السيطرة على مرض السكري والسمنة”.

ليس من الواضح كيف قد تتغير الممارسات الطبية إذا أظهرت الدراسات في النهاية أن هذه الأدوية فعالة فيما يتعلق بتقليل مخاطر الإصابة بالسرطان، وفقًا لكل من كومار وثوساني. ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من الأدوية تم بالفعل ترقيته في إرشادات علاج مرض السكري من النوع 2 ليصبح خيار أول للمرضى الذين يعانون من السمنة وأولئك المعرضين لخطر كبير للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

لكن نظرًا للتكلفة الباهظة لهذه الأدوية خصوصًا في أمريكا فإن التكلفة دائمًا ما تكون عاملاً رئيسيًا يمنع الطبيب من وصفها.

وحتى عندما يكون لدى المرضى تغطية تأمينية، فإن مجرد العثور على هذه الأدوية في الصيدلية المحلية قد يكون صعبًا، فقد أدى الطلب المتزايد إلى نقص في بعض أدوية ناهضات GLP-1.

المصادر

Can Popular Weight Loss Drugs Lower Cancer Risk?

د/ محمد البلتاجي